رواياته بالإيطالية حققت نجاحا لافتا عمارة لخوص.. مبدع جزائري بقلم إيطالي

الروائي عمارة لخوص في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب (الجزيرة)
كمال الرياحي-تونس
 
بدا إقدام روائي مغاربي على المغامرة بدخول عالم الرواية باللغة الإيطالية كالجزائري عمارة لخوص أمرا غريبا، فقد تعودنا أن نرى الروائيين المغاربين يتجهون نحو الفضاء الفرنكفوني واللغة الفرنسية بحكم الثقل التاريخي وأثر الثقافة الفرنسية بلغتها وآدابها في الإنسان والكاتب المغاربي، وما زال ذلك الأثر إلى اليوم من مولود فرعون وكاتب ياسين ومحمد ديب إلى ياسمينة خضرا، مرورا برشيد بوجدرة وغيرهم.

خلافا لهؤلاء خاض لخوص مغامرته الأدبية وحيدا، وسار في مسالك بكر بلا علامات طريق ولا سلف صالح أو طالح، ليعيد كتابة روايته الثانية “كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك” بالإيطالية، بعد أن صدرت بالعربية دون أن ينتبه إليها الإعلاميون والنقاد.

هذه  الرواية مثلت ميلاد روائي عالمي احتضنه المشهد الروائي الإيطالي الذي آمن بموهبته، لتترجم إلى لغات شتى آخرها الكورية واليابانية والألمانية والهولندية. ومن ثم لم يكن ظهور لخوص في المشهد الروائي أمرا عاديا، فقد تفرغ إلى الكتابة الروائية بعد صدور روايته التي وصل عدد طبعاتها إلى ست عشرة طبعة إلى جانب الترجمات الكثيرة.

كما حُولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي إيطالي للمخرجة إيزوتا توزا قام ببطولته الممثل التونسي المهاجر أحمد الحفيان. وتحصلت على جائزة “فلايانو” الأدبية الدولية المرموقة عام ٢٠٠٦. ثم انتبه بلده الأصلي الجزائر ليسند إليه أهم جوائزه وهي جائزة المكتبيين عام ٢٠٠٨ التي كانت تحتكرها النصوص الفرنكفونية ولم تسند إلا إلى كاتب وحيد يكتب بالعربية وهو واسيني لعرج.

بعد ذلك يطلق عمارة لخوص روايته الجديدة “القاهرة الصغيرة” باللغتين العربية والإيطالية وتلقى النجاح نفسه الذي حققته الرواية التي سبقتها، مما اضطر الناشر الإيطالي إلى الإلحاح على الكاتب لإعادة نشر روايته الأولى “البق والقرصان” لتلبية لانتظارات قراء أصبحوا ينتظرون جديد الروائي عمارة لخوص الذي تحول إلى نجم من نجوم الرواية الإيطالية.


يخرج علينا لخوص في النهاية برواية مشوقة ساخرة، شيء يشبه السينما الإيطالية تطفح بكوميديا سوداء تضحكك المفارقات فيها وتبكيك في آن

الأنثروبولوجيا والرواية
شكلت دارسة عمارة لخوص الفلسفة والأنثروبولوجيا واحدة من مرجعيات الكتابة عنده، فكانت رواياته خلاصة تجاربه ومعارفه التي اكتسبها في مجال تخصصه. تلاحق نصوصه أحوال المهاجرين في إيطاليا، وخاصة الجاليات العربية والمسلمة من مصريين وتونسيين وإيرانيين وأتراك، ولكنه يلتفت أيضا للأرمن والبنغاليين وحتى الإيطاليين الوافدين من جنوب إيطاليا إلى شمالها.

وفي قلب ذلك التنوع الثقافي الذي يعرفه الفضاء الإيطالي، يرمي الروائي فتيل الحكاية ويشعلها متتبعا إياها في توليفة محكمة تستلهم الحبكة البوليسية وتتخطاها، ممسكة بتلابيب القارئ عبر ميكانزمات التشويق.

وبكل تلك المقاربات يخرج علينا لخوص في النهاية برواية مشوقة ساخرة، شيء يشبه السينما الإيطالية تطفح بكوميديا سوداء، تضحكك المفارقات فيها وتبكيك في آن. حتى إن أحد الكتاب الإيطاليين علّق على روايته “كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك” بقوله “حاولت أن أقنع نفسي بصعوبة أن كاتبها ليس إيطاليا”.

يؤمن لخوص بأن الكتابة هي فعل اشتغال على اللغة في كل مستوياتها البلاغية واللهجية، وهو يترك العنان لشخصياته تعبر عن أنفسها بلهجاتها، فتجد في أعماله اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية والأمازيغية، وفي النسخة الإيطالية يشتغل على اللهجات المحلية داخل اللغة الإيطالية نفسها التي تختلف بين أبناء الجنوب وأبناء الشمال، ولهجة روما ولهجة صقلية. كل ذلك ليكشف عما وراء اللغة من فوراق ثقافية وصراعات بين أهل الشمال والجنوب.


يعتبر صاحب “القاهرة الصغيرة” أن الانحراف بالعمل الأدبي نحو الخطابات السياسية الفجة مقوض لأصالة الفكرة واعتداء على مصائر الشخصيات الروائية 

الكتابة عمل جماعي
وتمثل المعرفة عصبا أساسيا في التجربة الإبداعية للخوص، حيث ينقطع إلى القراءة والبحث والتوثيق بالصور والصوت والكتابة أشهرا طويلة، قبل أن يذوب كل تلك الوثائق والتجارب في حكاية معلومة وفق حبكة مدروسة. فالكتابة تبقى عنده بحثا وتدقيقا ومغامرة في المجهول ومعاينة للموجود.

ولا يرضى لخوص عن عمله الروائي ولا يقدمه إلى الناشر إلا بعد أن يعرضه على بعض من قرائه الذين لا يجاملون ليستمع إلى آرائهم في المخطوط قبل أن يعيد النظر فيه من جديد.

وفي معرض تونس الدولي للكتاب الذي شارك فيه، يؤكد الروائي الجزائري على هذه الرؤية للكتابة بصفتها نتاجا لعمل جماعي أو مختبري. وتحدث عن الحلقة المفقودة في الوطن العربي وهي المحرر الأدبي الذي يشتغل معه الروائي بعد الانتهاء من المخطوط الأول ومناقشة العمل ومن خلاله يقوّم الكاتب كتابه.

وانتقد لخوص الكتّاب الذين يرون الكتابة ما زالت خاضعة لمقولة الإلهام الذي قد يأتي وقد لا يأتي، إذ إن الكتابة عنده موهبة وصناعة وحرفة تتطلب معارف وتجارب وتدريبا. وهذه رؤية لا تعجب كثيرين  ما زالوا يرون الإبداع يأتي من عالم مجهول وساحر.

ويعتبر صاحب “القاهرة الصغيرة” أن الانحراف بالعمل الأدبي نحو الخطابات السياسية الفجة مقوض لأصالة الفكرة واعتداء على مصائر الشخصيات الروائية التي يمارس عليها الروائي العربي الدكتاتورية نفسها التي يشتكي منها.

المصدر:الجزيرة

أضف تعليق